كلنا عاش أو عاصر أو سمع عن الاختطاف للدولة، للسلطة، للقرار، للحريات عبر مجموعة جنرالات في قِطرٍ ما، يقومون باختطاف للدولة والسلطة عبر انقلاب عسكري يذهب ضحيته أبرياء بسطاء من عامة الشعب، ويدفع الشعب التكلفة الباهظة لتسلط حاكم عسكري يحظى بشرعية دولية! ينجح بانتخابات متلاحقة بنسب تفوق 90 بالمئة ليحكم الشعب عبر عقود من الزمن.!!

فإن كان من اختطاف كبير فهو اختطاف الأوطان وحرية الإنسان، وهومن خلال هذه الانقلابات، وربما الوسط الذي نعيشه في الشرق الأوسط مليء بهذه الاختطافات، وحيث مررنا منذ أيام في ذكرى قريبة، عن فشل هذا الاختطاف بتركيا، وكان مبشرًا للمنطقة عمومًا بذكرى 15 تموز وبعد إفشال شعبي له، بعد معاناة طويلة مع اختطافات عسكرية في تركيا، ونشهد بنفس الوقت وبشكل مستمر مقاومة هذا الاختطاف في دول الربيع العربي.

حيث تسعى الشعوب إلى دفع التكاليف الباهظة للتخلص من الديكتاتوريات العسكرية التي تحظى بتأييد استعماري له مصالح مع استمرار صور حكم العسكر.

وكما يقول الدبلوماسي الفرنسي جان بيير فيلو:

 (الجلادون العسكريون لا يرحلون من تلقاء أنفسهم، والعرب يعرفون ذلك ونظراً لغياب مساعدتنا نحن الغربيين، فهم يتطلعون على الأقل لتفهمنا).

العنف الذي تتعرض له الشعوب بسبب هذا الاختطاف غير مفهوم بحجمه وشناعته، ثم يتحول لمرور إجباري إلى مواجهة مسلحة عظيمة التكلفة وليست مؤطره بإطار تنظيمي رسمي، وهذه القوى عموماً مالم تستند إلى دعم دولي رسمي لا تستطيع البقاء وتصبح فريسة للتناوش والتناهش.

وتنال نصيباً من التلاوم من النخب التقليدية، عدا عن التخلي أو الترك، أو عدم تفهم القوى الدولية التي تنسب نفسها للعالم الحر، وهذا يزيد من عدم صدقية القيم السياسية المرتبطة به.

وأعلى ما تحظى به هذه الشعوب هي قرارات دولية غير ملزمة تحفظها هذه الشعوب وتكررها صباح مساء فهي الشيء الوحيد الذي قدمه هذا العالم الحر.!

وفي أحسن الأحوال الانتقال من كارثة إلى أخرى بتأييد جنرال آخر للإطاحة بالأول لتستمر المأساة، ويتم الاستخدام الجيد للإرهاب من أجل ضرب حالة التحرر الوطنية الديمقراطية وإضعافها لتحل محلها قوى أخرى، ولعل أوضح مثال هو الاستخدام الجيد لداعش من قبل النظام السوري وقوى أخرى، الذين سمحوا لداعش بإنشاء دولة مؤقتة ليتم ملء الفراغ بعد ذلك من قوى أخرى، وإضعاف القوى الوطنية التي تقاتل لنيل الحرية والديمقراطية والتي أصبحت بين مطرقتي التطرف الطائفي الشيعي والتطرف السني الداعشي.

والعالم لم يعد يهتم بهذه الشعوب، إلا برعاية النُظُم التي تقمعهم، ومسار السلام والحلول تدور في الفراغ، على الرغم من ذلك أعتقد أن هذه الشعوب سترجع لدينامية النهضة، وفي وسط دهشة الجميع، حيث نرى أنه حتى اليوم لم يتوقف للحظة حراكهم وصوتهم واحتجاجهم بكل الأدوات والأساليب والقنوات من أجل حقوقهم، وإذا كان عجيجهم في منطقة جغرافية داخل سور وطنهم المحكوم عسكرياً، فقد بات اليوم منتشراً في كل فضاءات العالم وما عاد الاختطاف ينفع من جديد وإن حصل فلن يشعر باستقرار حقيقي وسوف يدفع بأشكال شتى، ولن يستطع أحد إيقاف عجلة التغيير التاريخية بكل تأكيد.

د. زكريا ملاحفجي

كاتب وباحث سوري

Add Comment