تتجمع في البرجوازية السورية القوة الاقتصادية والخبرات وشبكة العلاقات الكثيرة من السوريين عبر هذه الطبقة فهي العمود الاقتصادي الهام والأهم في الدول عادة، والتي لعبت هذه الفئة في سورية دوراً بارزاً من خلال سنين مضت لاسيما قبل الاستقلال أيام الاحتلال وبعده بقليل، وكلنا يعرف رجالات سورية وساستها في تلك الحقبة فلم يكن للتجار أو أصحاب المصانع إلا دور حقيقي فاعل وبارز في السياسة ثم ما لبثت هذه الفئة المهمة أن تراجعت وانكفأت وأصبح لسان حالهم يقول: فليحكم من شاء، وعندما يتمكن شخصٌ ما أو جهة ما نُبرم اتفاق معه من أجل الحماية والأمن ولا شأن لنا بما يدور في منصة السياسة والصراع.!
هذا كان بحق أكبر كارثة في القضية السورية وهو انكفاء تلك الفئة على ذاتها، وطبعاً ليس المطلوب أن تشتغل في السياسة كقيادة لكن على الأقل أن تتفاعل مع السياسة في الحدث ومع التوجه السياسي الذي ينقل البلد تجاه الديمقراطية والنهوض، والمنطق يقول: أنه لا يمكن لأحد أن يتجنب السياسة فنتائجها واقعة على الجميع لامحالة، وهذا الحاصل اليوم بعد عقد من الثورة السورية وهذا الصراع العنيف والعقوبات والكوارث التي عمت الجميع.
إذ لابد لتكامل الجميع ليتحقق التوازن الصحيح والسليم، علماً أنه لو نظرنا للدول الإقليمية لوجدنا على سبيل المثال تركيا والبرجوازية التركية فيها تلعب دورًا مهمًا في السياسة وحتى في مواجهة الانقلاب الفاشل ويداً بيد مع السياسيين وهذا يكون عامل قوة للمؤسسة السياسية والسياسيين في نضالهم الوطني لصالح البلد وقوة قرارهم وسيادة الحالة الوطنية، وكذلك الحال أيضًا في إيران وروسيا والدول الكبرى.
هذا الدور المنسحب إلى يومنا هذا وقد تضرر منه الكثير من السوريين بلا استثناء ومنهم البرجوازية السورية ذاتها المنكفئة على ذاتها، والتي مازالت لغاية اليوم وفي دول اللجوء غير مستعدة حتى لمجرد النقاش بما يجري أو ماذا ينبغي أن نفعل.!
وهذا ما جعل القوى والمؤسسات السياسية المعارضة ناقصة القوة فاقدة التوازن من حيث فئات المجتمع ككل، كذلك باتت تلك المؤسسات السياسية تحتاج دوماً للمساندة المالية وأحياناً تعزيز الخبرات والعلاقات وهذا سبّب أيضاً مزيد من الضعف والتعثر، لكن السؤال الأهم هل ستستيقظ تلك الفئة المهمة من المجتمع وتلعب دورًا مهمًا لخلاص سورية بكاملها مما هي فيه، وهل كان ما مرّ درس لنا جميعاً كسوريين لنتفاعل بشكل إيجابي مفيد ونتكامل ولا نتآكل، ونركز على المصلحة الوطنية لنا جميعاً ليأتي عقد مشرق نبدأ فيه البناء الجدي عقب الخلاص من المجرمين الأسديين القتلة، ونتلافى فيه كل الإخفاقات والعيوب والتقصير، لنفكر بعقل جديد وعمل جديد وبناء سورية جديدة إن شاء الله.
د- زكريا ملاحفجي
كاتب وباحث سوري