اليتيم السوري الشريحة الكبيرة ممن لحقها أكبر الضرر في الحرب التي يشنها النظام على شعبه. فهذه الشريحة فقدت الأب راعي الأسرة والذي يعولها ويؤمن حاجاتها، فكان الفقد للأب مع النزوح واللجوء فكان العذاب والضريبة أكبر من مجرد الفقد، فهذه الشريحة التي تعيش ضنك العيش هم مستقبل هذه البلد، المستقبل المجهول كيف سيكون وكيف سيكون هؤلاء، في ظل تجاذب الأفكار المنحرفة والجماعات سواء الأيديولوجية أو عصابات الإجرام أو غيرها.
فنحن أمام طاقة بشرية كبيرة مهددة بواقعها ومستقبلها، وأنا لا أرى أن هذه مسألة إنسانية معنية بها المؤسسات الإنسانية فقط، بل تحتاج التركيز والاهتمام من سلطات الواقع، فمستقبل نترقبه يعم فيه السلم والأمن يحتاج أسباب لذلك، ونحن أمام طاقة بشرية مهددة بالمجهول.
منذ عشر سنوات وإلى اليوم أنا من المتطوعين في هذا الميدان لحماية الأيتام من المخاطر التي تحدق بهم من كل جانب، وعاينت القهر الذي يحمله هؤلاء، وتحولهم لنجاحات كبيرة لمجرد وجدوا الاهتمام والرعاية الجيدة، ونحن في ذكرى يوم اليتيم العربي والعالمي، لابد من وقفة ولمحة أمام هذه المسؤولية العظيمة المنوطة بنا لاسيما وعدد الأيتام في سورية حسب اليونيسيف قد تجاوز المليون يتيم.!!
كما أوضح بحثٌ لعام 2017، أجرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، أن نحو مليون طفل سوري فقدوا أحد والديهم أو كليهما. والرقم ارتفع إلى نحو 200 ألف يتيم، وبحسب البحوث العلمية والدراسات الحديثة، فإن هذه الكارثة تعد أكبر من المسألة السورية ذاتها. حيث ذكر التقرير: “بعد سنوات من الصراع والاضطرابات؛ فإن سورية تعد الآن أحد أخطر المناطق في العالم بالنسبة إلى الأطفال”. وأضاف التقرير أن “آلاف الأطفال فقدوا حياتهم، وأطرافهم، وأشقاءهم وشقيقاتهم وأصدقاءهم، ومن يقدمون لهم الرعاية ومنازلهم واستقرارهم، إلى جانب كل أوجه طفولتهم بالفعل” ويحظى القليل جدًا من هؤلاء الأطفال برعاية متكاملة.
في حين أشارت (يونيسف) بتاريخ 2017 إلى نزوح نحو 8 آلاف طفل، وحيدين، من دون مرافقين من أسرهم، من أصل مليون طفل قد نزحوا إلى دول الجوار، وتبذل الجمعيات الخيرية والمنظمات الإغاثية جهودًا جبارة لرعاية الأيتام ويبقى 90% من الأطفال خارج الرعاية الكاملة ونسبة 20% تتلقى رعاية جزئية.
يدفع آلاف اليتامى السوريين فاتورة الحروب والمواجهات المسلحة المستمرة في سورية مرتين، مرة عندما يفقدون آباءهم، ومرة أخرى عندما لا تستطيع المؤسسات الحكومية والأهلية المتخصصة استيعابهم؛ الأمر الذي يجعل معاناة اليتيم لا تتوقف عند فقدان الأب أو الأم، وإنما تمتد طوال الحياة، وأذكر مرة التقيت مع شبان في سن المراهقة دون العشرين سنة، فسألت كم منكم يعرف أن يقرأ ويكتب فكان الجواب: أربعة فقط يقرأ ويكتب من أصل أكثر من 35 من الشبان الحاضرين.!!
يجمع الخبراء الاجتماعيون والمهتمون بشؤون الطفل أن لا حلّ يمكن أن ينهي الجريمة المستمرة في حق الأطفال السوريين سوى إنهاء الأزمة السورية، وهو ما يتباطأ المجتمع الدولي بالقيام به مقابل مصالحه ومشاريعه. وبسبب الحرب في البلاد، فإن العديد من الأطفال السوريين ليسوا بصحبة أسرهم، إما بسبب اعتقال أحد الوالدين أو بسبب الطلاق أو إعادة زواج الوالدين أو تشرد الطفل، خلال اللجوء وفقدانه عائلته. وقد اضطرت العديد من الأسر إلى الهروب من منازلها بشكل متكرر، لفترات زمنية متفاوتة. وفي الواقع فرت بعض الأسر في سورية ما يصل إلى 25 مرة بسبب الوضع الأمني والعسكري والبحث عن الأمان والخدمات؛ ما جعل هذه الأسر معرضة لخطر الانفصال عن بعضها. وكانت أكثر أسباب انفصال الأطفال عن أسرهم وبقائهم دون رعاية أسرية هي: (1) وفاة أحد الوالدين (2) الطلاق (3) الفقر والأسباب الاقتصادية (4) تجنيد الأطفال الإجباري (5) زواج الطفلة (6) اللجوء إلى أماكن أكثر أمنًا (7) اختطاف الطفل (8) اختفاء الطفل وضياعه (9) العنف الأسري وهروب الطفل (10) عدم التماسك العائلي وتشتت الأسرة (11) اعتقال الطفل.
لابد من تضافر جهود الجميع، أمام هذه الكارثة الإنسانية التي تهدد الواقع والمستقبل وهذا جيل كامل ينشأ بعيدًا عن الاهتمام وأحياناً عن التعليم والرعاية والتوجيه ليكون هؤلاء أدوات بناء وسلم وليسوا أدوات هدم وجهل، فقد لا يتنبه اليوم الكثير لهذا الخطر وهذه المأساة الإنسانية الكبيرة، وإهمال هذه الشريحة هو هدم لهذا الإنسان وهدم الحاضر والمستقبل فخدمة الأيتام من أعظم الأعمال والقربات الدينية، وأنبل الأعمال الاجتماعية والإنسانية.