تجاوزنا المئة يوم حرب من العملية العسكرية التي شنها الروس على أوكرانيا، هي تلك الحرب التي قيل إنها لن تندلع يوماً، أو لن تستمر أكثر من بضعة أيام وكان الروس يؤكدون أن العملية ستسمر لبضعة أيام فكييف ستستسلم سريعاً.
ويقول الأمريكيون “الحرية ليست مجانية والشعوب التي لا تدافع عن حريتها لا تستحق الحرية والديمقراطية” لكن أثبت القيادة الأوكرانية بالتعاون مع الشعب تفاني كبير في دفاعهم عن أرضهم، مما تعاظمت نظرة التقدير الإيجابي من جميع دول العالم إلى أوكرانيا، شعباً وقيادة، لكن الثمن الذي دفعته كان باهظاً للغاية.
تجاوزنا المئة يوم والعالم تغيرت به أمور أساسية كثيرة نتيجة الحرب على كافة الأصعدة منها التحالفات الدولية السياسية والعسكرية، ودول تهرول للانضمام إلى الناتو، الذي عاد زخمه وأهميته على مسرح التحالفات العسكرية، وساء الوضع الاقتصادي في العالم لدرجة أسوأ من عام 2007- 2008 فارتفعت أسعار الوقود والمواد الغذائية وأُضيفت حسابات جديدة إلى استراتيجيات الدول.
كما أنه واضح أننا أمام حرب ستدوم بالحد الأدنى أكثر من سنة، وذلك من خلال مرسوم وقعه الرئيس الأمريكي بأربعين مليار دولار دعم لأوكرانيا نصفه سيكون للجيش الأوكراني، كما تم تزويد الأوكرانيين من قبل الأمريكان بطائرات مسيّرة (كاميكازي)، مما يشير أن الروس سيعلقون وستغرق أقدامهم في مستنقع الحرب الذي بدأوها؛ فالروس يشنون الحروب ثم يعجزون عن إقامة الحلول أو إنشاء سلام.
وبقيت الخسائر من الطرفين لاسيما الروس يكتنفها الغموض بين الحقيقة والمعلن، وهذا يدخل في الحرب النفسية والمعنويات، ولكن بفرض الدقة فإن روسيا خسرت وتضرر حوالي 25% من قوة جيشها بالعتاد التقليدي، ومحاولة استعادة بناء ما خسرته، لن يكون سهلاً، فإن كثير من القطع العسكرية التي تدخل في صناعة الدبابات والعربات المدرعة والأجهزة الإلكترونية للطائرات تأتي من شركات دول غربية فرضت عليها قيود تمنع تعاملها مع الروس، وخاصة مصانع “أورال” للمركبات والدبابات الروسية؛ فخيار الروس هو الاستمرار بالحرب وسوف يكون حجم خسائرها وفق زمن استمرارها في الحرب، فالروس إما سيخسرون قليلاً أو كثيراً وغالباً لن يحسموا المعركة؛ فمعركتهم ليست مع الأوكران وحدهم بل العالم أجمع.
فالسيناريوهات: إمّا أن يعلن الروس التوقف وأنه اكتفوا بالأقاليم التي سيطروا عليها، أو تدهور الحالة الصحية لبوتين أو المفاوضات أو الحرب المستمرة وهو المرجح لكنهم لن يكسبوا الحرب أبداً؛ فالروس الأن بلا تأييد دولي، بل في عزلة وعقوبات ودعم مستمر للأوكرانيين، وسيكون أمام العالم عامين هما الأسوأ على الصعيد الاقتصادي وارتفاع أسعار المواد الغذائية، فاليوم أكثر من 23 مليون طن من الحبوب والبذور الزيتية عالقة وسط الحصار الروسي، كما أعلن رئيس الوزراء الأوكراني، دينيس شميكال.
ودعت الأمم المتحدة إلى اتخاذ إجراءات إنسانية عاجلة في 20 دولة اعتبرتها “بؤرة ساخنة للجوع” في العالم، من بينها 5 دول عربية، هي سورية والسودان واليمن والصومال ولبنان.
الأزمة الاقتصادية ستكون الأكبر بحق الدول التي تعاني عدم استقرار
وهذا سيؤثر أيضاً على الدول التي لديها استحقاقات انتخابية، فنجاحها بمواجهة الظروف هو النجاح الانتخابي لها أمام الشعوب.
نحن كسوريين أمام تحديات وقد نكون أمام انسداد أفق الحل السياسي في سورية، حيث إيران تهتز من الداخل والخارج، وروسيا تخطت عتبة ال١٠٠ يوم حرب في أوكرانيا ولم تستطع حسم المعركة، وكلاهما حليفا الأسد مما ينذر بسد أفق الحل في سورية لانشغال الدولتان بحروبهما الداخلية والخارجية.
وقد يكون هناك فرص جزئية لحل في الشمال السوري باتصال منطقة نبع السلام بشمال حلب، أو استرجاع بعض القرى في الشمال التي كانت محررة وسلبها تنظيم “قسد” عنوة في 2016 وهذا فيه حلول وانفراجات جزئية للشعب السوري الذي يقيم مليون ونصف منه في المخيمات وهو مهجر من أرضه وبيته.
لكن مالم تتجه منطقة المعارضة إلى حوكمة رشيدة تخفف العبء الاقتصادي وتحسين سبل حياة الناس فسوف يكون الضغط أكبر على السوريين في الأشهر القادمة.
تلك المئة يوم من الحرب غيّرت وسوف تغير الكثير من الحسابات الإقليمية والدولية، وهذا يحتاج فطنة سياسية للاستفادة من الظروف كما استفاد السوريون في استقلالهم عام 1946، فتلك التغيرات ليتها تغير فينا ليتغيّر واقعنا الذي نحيا بالأمل بسورية الجديدة.