من أدوات الدولة الحديثة في الحكم والتغيير، الحركات والأحزاب والتيارات السياسية، والدولة التي تتوفر فيها حياة سياسية من أحزاب وحركات سياسية وتكون تلك الأحزاب كبيرة وقوية وعريقة فهذا يساعد على تحقيق وترسيخ الديمقراطية، ويقلل من فرص الاستبداد وحكم الفرد الواحد والحزب الواحد، فحالة الاستبداد والديكتاتورية لا تتقبل وجود معارضة ولاوجود أحزاب منافسة في الحكم ولديها برامجها التي تقدمها للناس وتتنافس مع الأحزاب الأخرى من أجل تحقيق التقدم وتحقيق رضى الشعب، فرضى الشعب هو الذي يمكّن الحزب أو يحد أو يُبعد حضوره في السلطة، ونتيجة ما كانت تعيشه سورية من الاستبداد والديكتاتورية، وحالة الحزب الواحد، ثم جاءت الثورة السورية لكسر هذه الحالة، وكان ثمّة ضرورة لتتشكل قوى سياسية فاعلة تلعب دوراً فاعلاً في العمل والوعي السياسي لاسيما من تابع تمدد انتفاضات الربيع العربي فكان يرى أن هذا التمدد سيصل قطعاً لسورية، لاسيما المجتمع كان يؤذن بحالة انفجار مجتمعي بشكل انتفاضة أو ثورة نتيجة للضغط والاستبداد الذي كان سائداً، وكانت حركة العمل الوطني من أجل سورية حيث تشكلت كقوة سياسية كانت تتوقع حصول ثورة في سورية، كان ذلك في 18شباط/فبراير 2011م حيث بدأت إرهاصات تلك الثورة التي اجتمع عليها العالم وقوى دولية كثيرة تحول دون تحقيق حسم لصالح قوى الثورة.
منذ التشكيل المبكر لعدد من السوريين الوطنيين الذين شكلوا الحركة على طريق العمل من أجل سورية فكان ذلك عنواناً وهدفاً بنفس الوقت، والآن مضى عقد على تأسيس حركة العمل الوطني، وقد استطاعت هذه الحركة أن تلعب دوراً رئيسياً منذ تأسيس المؤسسة الرسمية لقوى الثورة والمعارضة والتي تمثلت يومها في المجلس الوطني ثم في الائتلاف الوطني.
كان لها دور في استقطاب كفاءات شبابية لا تنتمي لأي جماعة سياسية ولديها هدف العمل من أجل سورية، وقدمت نفسها كقوة سياسية وطنية سورية بأفكار ومشاريع وعمل بشكل غير تقليدي ومستقل.
وكانت القراءة المبكرة والتنبؤ لما ستسير إليه الأمور، عامل قوة بالاستعداد للأمر منذ بدايته، وبدأت فيما بعد تتبلور قوى وتيارات سياسية وعسكرية بدأت تُولد مع ولادة الثورة السورية، عدا عن التيارات التقليدية الكلاسيكية التي كانت موجودة وسائدة سواء الأيدلوجية كالإخوان المسلمين أو الشيوعية والتي كانت تعيش في المنفى أو السجون فهي تملك أدبيات السياسة وليس الممارسة الفعلية، فسورية كانت بيئة قحط من العمل السياسي السائد في الدول الحديثة.
وشعر السوريون عقب الثورة بالحاجة الكبيرة لتنظيم أنفسهم وخوض العمل السياسي وتعلم فنونه الأكاديمية وهذا نتيجة الشعور بالحاجة الملحة لذلك.
وكما يتم تعريف التاريخ بين التغيير والاستجابة له، فدخلت حركة العمل الوطني السنة العاشرة واستطاعت الاستمرار والاستجابة للتغيرات التي حصلت في الفكر السياسي الإنساني وتطوره وفي التغيير الواقعي الميداني الذي جعل القوى السياسية أمام حالة جديدة تحتاج استجابة وعمل يتناسب وهذا التغيير، ورغم تعثر الكثير من المشاريع السياسية التي ماتت في المهد أو قبل أن تحبو فقد استطاعت حركة العمل الوطني الاستمرار وهذا نتيجة العوامل الذاتية الداخلية والتفكير المستمر وكسر الجمود التقليدي والعمل بجد من أجل الهدف الذي تم وضعه منذ التأسيس، ومازال ماضياً نحو هدفه المنشود.
د- زكريا ملاحفجي
كاتب سوري