بات الوقوف عند بعض الأسئلة أمر مهم جداً من خلال التنبّه إلى الحال الذي نعيش وكيف نعيش وكيف ينبغي أن نعيش، وهذه الأسئلة مهمة لندخل حالة الإدراك لنبلغ الوعي وهو اللبنة المهمة في تكوين الفكر والإرادة للتغيير المستمر بظل السير على واقع متحرك ومتغير لا يتوقف، فالوقوف بظل المتغيرات هو تراجع. فإرادة التغيير المجتمعي بلا تغيير وتطوير في التفكير والطريقة والعمل والأدوات بشكل مستمر سيؤدي إلى أن نُحشر في عنق الزجاجة فلا نعبر للخروج ولا نعود للوراء.

نعيش كسوريين حالة وقوف في ظل متغيرات، ربما حالة الصراع بهدف التغيير الذي ننشده قد تكبلت بمرابط دولية إضافة إلى تكبيل ذاتي في طريقة التفكير وطريقة التنفيذ والعمل الذي نعيش فأصبحنا نعيش حالة الوهن التنفيذي مع الإصرار المبدئي على الهدف، والصراع البيني على حساب الصراع الحقيقي بيننا وبين المتسبب الرئيسي لهذا الواقع وهو النظام السوري. فأصبحنا نعيش حالة تقليدية مما اعتدنا عليه خلال سنين الصراع المرّة بلا تجديد بالأدوات والأفكار والبحث عن بدائل تُخرجنا من عنق الزجاجة 

بلا تنظيم لكل طاقات المقاومة واستثمارها الاستثمار الأمثل لتعطي منتج مختلف كلياً، ليس في الصراع انتظار الفرج بلا حسن عمل، وإن كنّا في انتظار الخلاص الكلي لا يمنعنا أن نعيش ونُدير واقعنا بشكل جيد لنكوّن واقع يعيش حكماً رشيد وفق قيمنا وهدفنا في التحرر والكرامة ونبني أنفسنا بشكل مستمر، ومن أهمل بناء نفسه وإصلاحها الدائم أفسدها الزمن وتقهقرت للوراء. فالذي نعيشه لا أحد راضٍ عنه لكن كيف ينبغي أن نعيش ونُدير واقعنا؟

الزمن لا يهِب المجد للواقفين بل للمبدعين ذوي العمل الدؤوب، فلا يكفي أن نعمل عملاً صحيحاً بجد بل أن نعمل عملاً مفيداً بذكاء. وأن تكون قضيتك عادلة لا يعفيك من الاستغناء عن المدافعين الأذكياء.

حالة الجمود والركود التي تعيشها قوى الثورة والمعارضة وحالة الصراعات البينية لتفاصيل جزئية صغيرة لن تغير واقعاً ولن تكسر هذا الجمود. 

لابد من التفكير جدياً بأولويات وبدائل بعد أن بات النظام مكبلًا بعقوبات قد لا تنهيه بسرعة لكنها تضعه على حافة الهاوية، فلا النظام ولا حلفائه بأحسن حالاً من قبل عدة سنوات، والمناضل الذي يسأم النضال ويفتر من العمل ويشتغل ببنُيات الطريق لن يعبر الطريق ولن يصل الهدف. 

لقد تابعت صامتاً متعجباً بما مرّت وتمر به قوى الثورة والمعارضة ورأيت بأن كل ما جرى ويجري لم ولن يخدمنا استراتيجياً في التدافع والصراع الذي نعيش ولن يغير واقعاً يكثر المتربصون بهم وهم يتلاومون ويتهاجمون. والنتيجة لا شيء.

سنبقى في اللا شيء مالم يتغير الذين ينشدون التغيير، والناظر لكلا الطرفين من الذين أُسند إليهم الملف التفاوضي وبين منتقديهم، فيرى أنه تحقق فينا ما يُراد لنا من أطراف كثيرة، علماً أن القضية السورية حتى اليوم لم تعش تفاوضاً جدياً، والاختلاف العنيف هو في التكتيك والتفاصيل، وهذا هدف كافي يتحقق للأطراف الدولية التي تريد تمييع القضية، وكذلك للنظام الذي يتجنب أي شكل من أشكال التفاوض وهمه أن ينقسم خصومه ويتشاجرون ويتقاذفون وقد حصل.! فهل نحن متعظون؟ وهل سندرك كيف ينبغي أن نعيش؟

 

 

د- زكريا ملاحفجي

كاتب سوري

Add Comment