يرتبط مفهوم الاندماج المجتمعي بالحديث عن نقيضه وهو الإقصاء أو الاستبعاد، ويعرّف بأنّه حالة تعيشها الجماعات الخارجة عن نطاق المشاركة الرسمية، سواء كانت سياسيّة أم اقتصادية أم غيرها، أو الأفراد المغتربين الذين لا ينتمون إلى ثقافة المجتمع، أو الأقليات التي تعيش منفصلة داخل المجتمع، أو الإقصاء الطبقيّ بين طبقات المجتمع، ومن هنا يمكنُ استيعاب مفهوم الاندماج الاجتماعي بأنّه تضمين جميع الفئات والجماعات من الناحية الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية، بغرض تحسين الأوضاع وإبعاد التفرقة وحالات التمييز، و تقع مسؤولية الاندماج على عاتق الدولة والمجتمع والفرد. فهو أساس لتجنب الفتن و لنجاح العلاقة المجتمعية الإيجابية والبناء عليها واستثمارها.

وقد فرضت الجغرافيا السياسية والصراع الدموي والتدخلات الأجنبية الكثيرة في سورية واقعاً من اللجوء والنزوح، وإنّ النجاح في الاندماج والسير نحو الإيجابية هو الذي يقضي على الفتن ويبني على استثمار الحالة لتكون إيجابية مفيدة وحتى مستقبلاً تحقق عودة مليئة بالأواصر والعلاقات البناءة.

أعتقد أن المنظمات المجتمعية التركية كانت سبّاقة لأهمية الاندماج وطرحت مشاريع إيجابية لذلك الهدف، وعقدت لقاءات للسوريين مع المسؤولين في الحكومة التركية، في حين المؤسسات السياسية تعاملت بحالة طارئة من تأمين الحماية للفارين من الموت والقتل المتوحش، وظهر الاستثمار السياسي في مسائل اللجوء في بعض الأحياء فعقّد الأمر أكثر، ثم كانت مبادرات مجتمعية سورية لذلك، وأدركت أهمية الاندماج والتفاعل الإيجابي لتعزيز الاندماج، ومنها كانت حملة القلوب الخضراء في غازي عنتاب  وحملات أخرى عبّرت عن التضامن الحقيقي والتفاعل الإيجابي في المجتمع التركي، وهذه عززت صورة المسؤولية تجاه المجتمع التركي. 

لاسيما أن السوريون بتاريخهم كشعب لم يكونوا عالة على الآخرين بل هم شعب معطاء في الجد والعمل والسعي والكسب ولم يتردد ذاك الشعب لحظة في كل قضايا المظلومين حتى أصبح هو نفسه جزءً من هؤلاء المظلومين في هذا العالم الذي ينام اليوم بلا مبالاته وبثقله وأدواته العسكرية على أجساد وجراح هؤلاء الضعفاء، ولم يتردد هذا الشعب لحظة بالوقوف بأي محنة حلّت بالبلد الذي أقاموا فيه في محنتهم سواء تركيا أو لبنان أو الأردن أو سواه، فالمظلوم هو أول من يستشعر معنى الظلم والنكبة والخطر ولذلك وقف السوريون على ساق واحدة ليلة الانقلاب الغاشم في تركيا وفرحوا لفشله واحتفلوا مع أشقائهم، لأن حياة الأمان نعمة افتقدها هؤلاء وحكم الجنرالات العسكرية نقمة يعرفها من عاشها جيداً لاسيما وسورية تعيشه من أكثر من نصف قرن بحكم الانقلاب الذي دُفعت ضريبته دم منذ الانقلاب الذي قام به الأسد الأب إلى اليوم، وكذلك يوم تعرض الليرة التركية فسارعوا بمبادرات مختلفة تجاه ذلك.

وتحققت نجاحات نحو الأمام ومازال الأمر يحتاج تضافر الجميع لتعزيز الاندماج الاجتماعي للتغلب على أي خطاب للكراهية، فالإنسانية سلوك.

وما يجري بين فترة وأخرى ينبغي أن يشعل لدينا جرس الخطر ومنبه الإنذار لمزيد من السعي من كل الأطراف وألا تبقى النظريات واللقاءات حبيسة الأوراق وورش العمل، فنجاح الاندماج ينعكس إيجابياً على الجميع. 

 

https://israkgazetesi.com/yazarlar.php?p=4006

Add Comment