نصف قرن وسورية ماتزال في المعتقل الأسدي، منذ اختطافها قبل خمسين سنة، ذاك الاختطاف الكبير، حيث اعتقلت فيه تلك الدولة الرائدة في العلوم والخبرات وأم الحضارات وعاصمة الأمويين، الدولة التي تم اختطافها عبر ثلة مجرمة، وتوقف الزمن منذ خمسين سنة، وتوقفت الحضارة والمدنية بذاك الوقت، والتوقف بحال مضي الزمن هو رجوع للوراء فلا يتوقف الزمن، وقد أصبحت البلد في معتقل كبير يشرف عليه جلاوزة سجانون تفرّدوا في جعل البلد مزرعة لهم يعبثون بها كيفما يشاؤون، ومنذ ذاك اليوم وأبناء هذا البلد يفرون منها ليس زهداً فيها وإنما فراراً من المقصلة التي نُصبت لكل مخالف.

عاشت سورية الاختطاف الكبير فهو اختطاف للوطن وحرية الإنسان وثرواته ونشهد اليوم مقاومة هذا الاختطاف، حيث يسعى الشعب السوري وهو يدفع تكاليف باهظة للتخلص من الديكتاتورية العسكرية التي تحظى بتأييد استعماري جديد جاء من المشرق هذه المرة عبر روسيا وإيران، وقد رُبطت مصالحهم مع استمرار هذه الصورة من الحكم فلا مكان لاحتلالات طبعاً في حكم ديمقراطي.

والأصعب من هذا كله هو الخذلان الذي تمثّل بأدق وصف في القضية السورية 

والكثيرون لا يريدون أن يروا حقيقة ما يجري أو فهم ما يجري.

وكما يقول الدبلوماسي الفرنسي جان بيير فيلو ((الجلادون العسكريون لا يرحلون من تلقاء أنفسهم، والعرب يعرفون ذلك ونظراً لغياب مساعدتنا نحن الغربيين، فهم يتطلعون على الأقل لتفهمنا.)).

العنف الذي يتعرض له هذا الشعب بسبب سعيه لتحرره وعودة بلده وحريته من هذا الاختطاف بات ليس محل اهتمام جاد رغم حجمه وشناعته، ثم يتحول تصوير هذا التحرر إلى مناحي أخرى لها علاقة بالإرهاب المصنع لدى المخابرات الأسدية لصرف النظر عن المتسبب الحقيقي، وذلك للهروب من حقيقة ما يجري في الواقع وتشتيت الناس عن هدفها، وهذا ما أكد عدم صدقية القيم السياسية العالمية التي تزعمها دول العالم الحر.

وبات أعلى ما تحظى به هذه الشعوب هي قرارات دولية غير مُلزمة تحفظها هذه الشعوب وتكررها صباح مساء فهي الشيء الوحيد الذي قدمه لها المجتمع الدولي!

والعالم لم يعد يهتم بهذه الشعوب إلا برعاية النُظُم التي تقمعهم، ودغدغتها أحياناً وسعي البعض لإعادة التعامل معها متجاهلين كل الجرائم التي ارتكبت.!

وهل نقبل أن نصافح مجرماً ونعفو عن قاتل …؟

المثير للسخرية أن النظام وحلفاؤه المتسببين لغاية اللحظة في تهجير نصف الشعب السوري، ولم يتوقف النزوح والتهجير وهم يدعون لمؤتمر لعودة اللاجئين.!

وذلك ليحققوا مزيد من التكسب والنهب من الأموال الأممية الإغاثية والقفز على بعض العقوبات الاقتصادية وتدهور الاقتصاد المحلي.

على الرغم من كل ذلك أعتقد أن هذه الشعوب سترجع لدينامية النهضة وأدواتها وفي وسط دهشة الجميع ستلملم جراحها وستتحرر من هذا الاختطاف فإرادة الشعوب الجماعية لا تقهر وحركة التاريخ لا تتوقف، وكما الحكمة قديماً في الليلة الظلماء تنطلق بومة الحكمة. شيء واحد يؤكد أن هذه الإرادة لا تهزم، طالما ماتزال تريد التحرر.

 

 

د – زكريا ملاحفجي 

كاتب سوري

Add Comment