نعيش في ذكرى الثورة السورية التي هزّت العالم وخلطت أوراقه، وقد كانت بشكل انفجار مجتمعي وهو نتيجة حتمية لشدة وقسوة الضغط الاستبدادي الأمني القمعي الذي سيولّد الانفجار حتماًوكان بحاجة لظرف تاريخي (فقط) لينفجر، فالثورة لم يطلقها أي حزب ولا تيار ولا جماعة وليس بإمكان أحد إيقافها، كانت تستقي الأمل والفرصة التاريخية من الانفجار الذي حصل في الشارع العربي، وبما أن التغيير حتمية تاريخية فلا أحد يوقف عجلة التغيير،والأيام دول تتناوب بين الناس، وقد يظن بعض الحمقى ممن يُؤثرون حكم الاستبداد مع وهم السلامة أنّ من ينتمي للثورة هم من أشعلوها،وهم سبب ما جرى،متغافلاً بعلم أو جهل عن أنّ المسبب الحقيقي هو كمية الظلم والقمع والاستبداد الجاثم فوق أنفاس الشعب فهو الذي أوصل الشعب بسلوكهالاجرامي القمعي لهذا الانفجار العنيف الذي سيدخل العقد من الزمن ودول كثيرة ومنها دول عظمى حاولت كسر العزيمة وإيقاف هذا الانفجار فباؤوا بالفشل، لم يتركوا حيلة شيطانية إلا وارتكبوها مع هذا الشعب الذي أراد حياة كالحياة فقط، فقابلوه بسلب الحياة والقتل المستمر طيلة هذا العقد وفشلت كل المحاولات وبقيت العزيمة والإصرار أكبر من كل شيء، وبقي الأمل هو الحادي للسوريين بالخلاص، لا أقول كلاماً عاطفياً وإنما وقائع عشتها وعاينتها، الشجاعة والصبر الذي أثبته الفرد السوري قلَّ نظيره اليوم، من القتل للتهجير للسجون لكل الاعتداء الجسدي والمعنوي، لكل الخذلان الدولي ومع ذلك مصمم، وقد قام الشعب رغم غياب المؤسسات والأحزاب وهم أجنحة النهوض والنظام منع هذا الشعب من امتلاك مواطن القوة في التجمع والتنظيم، فكانت كل مجموعة تجتمع،تكون التهمة جاهزة، لقلب نظام الحكم وليودع أفراد الجماعة في غياهب السجون، إلا إذا كانت الجماعة تمجد الجلاد، كان قدَر هذا الشعب أنيخوض الحروب وليس حرب واحدة ومع دول ومليشيات وليس دولة واحدة، فالروس الذين أعدوا طاقتهم العسكرية لمواجهة دول عظمى سواء الناتو أو الولايات المتحدة فواجهت بها هذا الشعب شبه الأعزل، دون أن يكون أعزلاً من الإرادة والصبر والعزيمة.

جرت تصفية حسابات دولية كثيرة على الأرض السورية رغم صِغر مساحتها وقلة مواردها لكن لأهمية موقعها وتميّز شعبها، والسوريون اليوم في الصف الأول في مواجهة المشاريع الإمبراطورية التوسعية الإيرانية التي تهدف للتمدد على المنطقة. والروسي الذي يسعى للوجود مقابل دول الناتو في المياه الدافئة وليمسك ممرات الطاقة التي قد تحصل بعدم وجوده في المنطقة من الخليج إلى أوربا مروراً بسورية، فالسوريين لم يقاتلوا عن أنفسهم فقط بل عن الكثيرين من الدول العربية والإسلامية ويعرف هذا المتبصر بعمق الصراع وحقيقته، والمؤلم أنه جرى استثمار الصراع وإطالة أمد الصراع وليس حلّه، وكان محظوراً على السوريين كل سلاح ينهي قتلهم ومأساتهم.

نقترب من عقد من الزمن على حرب ضروس من أجل الحرية والكرامة والتخلص من الاستبداد فما عاد للسوري إلا أن يناضل لينتصر، وطالما أنه يناضل فالنصر قادم 

ولا حال يدوم فضعيف اليوم قوي الغد وقوي اليوم ضعيف الغد والشعوب أبقى.

قد يظن البعض أنه يمكنه تجنب السياسة والابتعاد عنها، لكنه يغفل أن آثارها واقعة عليه لامحالة.وهذا الشعب الذي يملك إرثًا حضاريًا لابد أن يستعيد عافيته ويملك زمامه ومؤسساته ويبني حضارته ودولته، وحسب الدراسات التاريخية للدول فالنهوض قرار مكلف والتحرر أساس النهوض ومقابل كل سنة من الحرب يقابلها خمس سنوات سلام وازدهار، ومن أساسيات النهوض كسر القيود من أجل التحرر والتغيير، بكل تأكيد لا أحد يحب الحرب لكن الظالم والمجرم هو سبب الحرب، أسرة وعصابة صغيرة تغولت على مؤسسات الدولة واحتكرتها ونهبت الثروات وبطشت بكل مفكر وعالم وحر الفكر، واستعملت مؤسسات الدولة ليس لخدمة الشعب بل للبطش به. أطلقوا شعار (الأسد أو نحرق البلد) لكن الأسدسيزولوستعمر البلد بدون الأسد وبدون الوحوش الأسدية، وعارعلى بلد كسورية يحكمها مجرم حقود سفّاك لدماء الأبرياء من أجل بقاء السلطة في يده.

سورية تاريخ طويل مضيء أظلمت بهؤلاء وسوف تنقشع هذه الظلمة وستنكشف هذه الغمة وسيهزم الجمع ويولون الدبر، وستكون الثورة السورية بكل أثقالها منعطفًا لحياة السوريين وشعوب المنطقة نحو النهوض عقب كسر القيود، كل القيود.

 

 

د- زكريا ملاحفجي

كاتب وباحث سوري

Add Comment