سؤال نطرحه على أنفسنا جميعاً، هل يصح أن نكون بلا عنوان.؟ هل نحن كقوى ثورة ومعارضة لنا عنوانًا محددًا يهتدي إليه المعنيين بالنزاع في هذا العالم، وهل يصح أن نكون قوى مبعثرة بلا عنوان، وهل يُفلح قوم فوضى لا سُراة لهم، وهل نخوض صراع من النوع المعقّد كالحالة السورية ونكون بلا قيادة محددة تعبر عن أهدافنا، لا أقول ذلك وأطرح التساؤلات سوى لأُثير الحاجة الملحة للتفكير بشكل جدي وعملي، فلو ذهبنا بالخيال بعيداً وأرادت الدول العظمى التي أنهكنا تخاذلها أن تقول لنا تعالوا لتغيير جاد وحقيقي وبضمانات، لكن ما هو الطريق إليكم وإلى أي عنوان يمكن أن نصل به إليكم يا قوى الثورة وكل الثائرين والمعارضين ؟!

هل سنقول لهم نحن بلا عنوان ولم نستطع أن نوجد ذاك العنوان بعد كل تلك السنين!

 أو نقول تلك مؤسسة الثورة والمعارضة التي لغاية اليوم لم نتفق هل تمثلنا أو لا، بل نتقاذف الشتائم والتهم ليل نهار.

ربما نحن لليوم نعرف فقط مالا نريد فهل سنعرف ما نريد وكيف نحقق ما نريد، 

هل سنعرف قيمة أن نكون بعنوان أياً كان خير من أن نكون بلا عنوان، ومالم نستطع تحقيق الحالة المثالية فهل يصح أن تُترك الحالة دون المثالية، هل نستطيع تحقيق خطى إيجابية بلا قيادة لهذه القوى المبعثرة في شتات وهل ينتصر المبعثرون والمتفرقون.!

إبان الحرب العالمية دفع البريطانيون ونستون تشرشل لقيادة بريطانيا في حالة الحرب العالمية الثانية، ولم يكن يومها تشرشل رجلاً مشهوراً جداً ثم بعد الحرب لم ينجح تشرشل الذي ذاع صيته بأي منصب سياسي إلا بعد سنوات عديدة رغم نجاحه بالحرب وإدارة الصراع، ولكن يبدو أن البريطانيين أرادوا قيادة أخرى مدنية لحالة السلم بعد الانتهاء من الحرب.

 لا يمكن لشعب يَنشد الخلاص من عدوٍ ما  أن يعيش صراعاً بينياً لا يبقي لهم عنوان ولا لافتة، فليس أحوج للسوريين ممن يجمع شتاتهم ويوحد طاقاتهم ويدير جهودهم من هذا التوقيت العصيب الذي نعيش بعد تلك الانحسارات الجغرافية والتراجعات، قد نكون اليوم أحوج ما نكون إلى أن نتضافر لندفع بمن نثق للأمام لنحمله هذا العبء الكبير وليس الدفع إلى الفراغ وإلى اللا شيء الحاصل اليوم فهذا يخدم أعداءنا المتربصين من كل جانب، بتاريخ السياسة كلها قلّما أن تكون مثالية، وأوضح تعريف وتوصيف حقيقي للسياسة وإدارة الصراع هو فن إدارة الممكن غير المرغوب لتحصيل المرغوب غير الممكن.

 إن الكثير من الأمم والدول خرجت من الحروب منهكة وخرجت ليس كما ترغب من نتيجة، وانطلقت من واقعها تنشد النهوض بخطى حثيثة ودؤوبة ومتصاعدة بمنطقية لتؤسس لنهضة كبيرة وتحقق الرفاه والقوة والعظمة، ولم يكن ذلك إلا بتركيز القوى في الشكل الصحيح، فتركيز القوى بشكل خاطئ يكلف الجهد ويضيع النتيجة، ولا يمكن لقوى مبعثرة غير منضبطة أن تحقق النجاح والنصر والهدف، فحتى هدف الكرة يحتاج فريق منسجم متناغم يحشد تركيزه وتناغمه لتحقيق الهدف. 

وفي ظل هذا الواقع نحتاج إلى صوت العقل والمنطق الذي يُصّوب ويسدد ويقارب ويُصلح وليس لصوت التخريب والتناحر والتصارع، حاجتنا لمن يبني ويُصلح البناء كبيرة جداً، فنحتاج معاول بناء وليس معاول هدم، أنا أتفهم منطقياً أن نقول نحن بحاجة أن نصلح الموجود وأن نوجد ما هو مفقود وليس أن نهدم الموجود ونبقى في المفقود واللا شيء فهذه خدمة جليلة تقدمونها لجلادنا جميعاً، ونحن بحاجة إلى جيوش من المصلحين والعاملين وليس للسفسطائيين، فالتركة كبيرة والإمكانيات شحيحة والمتربصين كثر يا أولي الألباب.

د- زكريا ملاحفجي

كاتب سوري

Add Comment