من يتابع النخبة السورية في الضفاف الثلاث الموزعة على الجغرافيا السورية، والتي تلوّن على الخارطة بالأحمر والأخضر والأصفر لمناطق التوزع العسكري والسياسي والوجود الدولي، يعلم حقيقة ًكم إن هذا الشعب مظلوم بنخبه، ومن يتابع أداء القسم الكاذب للأسد والطبقة المحيطة به من جوقة المصفقين ورجال الدين، ثم ينظر للنخبة الملتفة حول قسد التي تبرر دوماً قبل فهم ما يجري، تبرير “ما جرى ويجري” لاسيما النخبة العربية، يعلم كم هو حجم مصيبتنا بتلك النخب كبيرة، ثم بضفة المعارضة والتي ينبغي أن يعوّل عليها لتكون نموذجًا ينْشده السوريون، ليرى حالةً تسر العدو ولا تسعد الصديق، ليجد حالة تكلس القيادة التي تتكرر دوماً بذات الوجوه وستتكرر معها الأخطاء، وستعطي نفس المنتج فهذه قواعد فيزيائية بديهية بل حتى سياسية. ويتكرر معها بالطرف الموازي نفس نوع النقد وبنفس الأسلوب ونفس الوجوه حيث ندغدغ مشاعر العامة ولا أحد يجرؤ أن يغير التفكير أو يغير العمل، فقد اكتفى من نضاله بهذا الحال، ولا أعتقد أنه لا هذا ولا ذاك سيقدم شيئاً عملياً مفيداً للسوريين بهذه الحال على الأقل.
ولو سمحنا لأنفسنا بالحلم لحظة، بسقوط مفاجئ للنظام المجرم، فماذا لدى الشيوخ والعجائز في الهمة والإرادة من استراتيجيات عمل وقدرة حقيقية على انتقال وبناء “حكم رشيد”، تلك الكلمة التي يسمعها السوريون في خطابات القادة بشكل مستمر ولم يجربوها أو يعرفوا معناها العملي في التجربة التي أتيحت لهم، وكما المثل العربي السائد تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، ونحن ما نراه يسر العدو ولا يسر الصديق، فهذا الحال الذي نعيشه لن يخلق فضاءاً مختلفاً عن الواقع الذي نعيش، فهو يجسّد بحق ذاك العقل المشتت، ومهما كان الجسم قوياً فسيضعفه العقل المشتت، وهذا واقعنا باختصار فالقوة الشعبية الهادرة الصابرة لم يستطع ذاك العقل استثمارها استثماراً أمثلًا، ومالم نخرج بتفكير جريء وخطوات عملية جادة مما نحن فيه سيبقى الحال كما هو وسيبقى اللطم والنقد من واقعنا على أريكة مستريحة أو منبر إعلامي بسيط.
فالتقاسم للمهام والأدوار بين مجموعة متكررة لا تتمتع على الأقل بالقبول الشعبي في وسط الساحة المناهضة للنظام وتمييع المبادرات هو تضييع للهدف العام والعمل العام على حسابات مصالح فئوية عصبوية ضيقة ومقيتة، ليتكرر المكرر الذي ليته كان متميزاً بالأداء والمنتج والاستثمار الصحيح لتلك القوى الهادرة الصابرة.
والذي لليوم لم تُوجد القيادة نفسها على الجغرافيا السورية التي ينبغي أن تنظمها وتخلق حوكمتها وتديرها من عمق الجغرافيا وليس من مكان آخر.
نحن أمام واقع ومحطة زمنية تحتاج لتفكير مختلف وإرادة مختلفة والتي ستؤدي لعمل مختلف ومنتج مختلف، وبالتأكيد لن تقوم به نفس تلك الأدوات، لاسيما وأن الكثير بدأ يسمع عن مشتقات كلمة الشرعية والمشروعية وسواها في الخطابات السياسية لبعض قيادات الدول في المنطقة.
وهذا مايستدعي بأن يرن جرس الإنذار للعقول النبيهة الحذرة، ليس لتشكو مما يجري بل لتفعل الذي ينبغي فعله، والذي ينبغي فعله الكثير الكثير. فالتباطؤ والوقوف بزمن متسارع الأحداث هو تراجع للوراء، وعلى رأي من قال: “كل واقف فإلى نقصان أقرب”.
د- زكريا ملاحفجي
كاتب وباحث سوري