د- زكريا ملاحفجي
تتجه القضية السورية اليوم نحو التبريد السياسي والعسكري على المسرح الدولي، فلا جدّية دولية في حل الموضوع السوري، ولا توجه دولي جاد لحل ما في سورية، كما أنه لا معطيات لتصعيد عسكري سوى مناوشات ورسائل سياسية بشكل عسكري على إدلب، لاسيما أن إدارة بايدن تتجه إلى الانسحاب من التفاصيل في الشرق الأوسط المليء بالصراعات والإبقاء على الإمساك الاستراتيجي بالقضايا، وكما قال الدبلوماسي الفرنسي جان بيير فيليو، فإن الروس قادرين على إنشاء حروب لكن لا يقوم سلام بالشرق الأوسط دون إشراف أميركي، ولذلك تتجه بعض الدول إلى الانفتاح بمستوى ما على النظام السوري لأهداف اقتصادية وأمنية لاسيما عقب حالة الجمود الدولي تجاه الموضوع السوري وانخفاض مستوى الاهتمام الأميركي، لكن لا يخفى على أحد أن الإنفتاح على النظام السوري هو انفتاح مبطن على إيران وهي محور الشر في المنطقة العربية التي تعبث فيها، وهي السبب الرئيسي في أغلب ما يحصل من حروب وصراعات داخلية في المنطقة، فضلاً على انفتاح على مجرم حرب وهو سبب بلاء المنطقة ودعم القوى الإرهابية منذ أحداث لبنان وإلى اليوم.
لكن وفي ظل قراءتنا جميعاً لهذا الواقع ومتابعتنا الدقيقة له، هل يكفي توجيه اللوم للآخرين والندب على التراجع في الموقف الأميركي والدولي والإقليمي، وكأننا فقط نريد من الآخرين حلولاً ونحن أصحاب القضية.ّ!
أين نحن من القضية السورية، فلا أحد يخدم قضيتنا مالم نخدمها نحن أو مالم نكن على سوية من القدرة والتنظيم والتفاعل مع الأحداث الجارية ولعب دور جاد وحقيقي في هذه الأحداث، وأين نحن من كل ما يجري، نحن ننتظر أن يمطرنا المجتمع الدولي حلاً وحكماً رشيداً ودستوراً عظيماً قدمت روسيا نسخة منه يوماً ما!
نحضر الكثير من الندوات وورش العمل وتبقى النتائج حبيسة التقارير، ربما لأن الهدف هو إقامة الندوات والورش لذاتها وليست أداة تفكير بما سنعمل وما يترتب علينا فعله، ليست حال العاجزين هذه ستغير واقعنا ونحن الساخطين عليه دون استنهاض حقيقي للفكر والإرادة والعمل الدؤوب الذي يغير من واقعنا، وبيدنا الكثير من الأوراق التي تحتاج منا إلى استثمار حقيقي فاعل لها، لكن ذلك يحتاج منّا استنهاض همم، ولابد من السؤال دوماً وقد عرفنا ماذا يريد العالم اليوم لكن نحن ماذا نريد وكيف سنحقق ما نريد، ومالم يتغير حالنا اليوم فالزمن سيسحبنا لمزيد من التراجع مالم نتقدم بخطوات عملية وجادة، ومالم نجعل الجمود الدولي فرصة لتحسين ظروفنا وتنظيم أوضاعنا واتخاذ خطوات جادة وجريئة من العمل الصحيح والمفيد، ونحن اليوم أحوج ما نحتاج لإصلاح سياسي وعسكري وإداري وأمني، فالوقوف بالمكان هو التراجع الحتمي، وحتى قانون قيصر بات أقل زخماً وربما سنشهده أقل تطبيقاً وهو سلاح يفيد بحالة واحدة وهو الإرغام والإجبار الجاد على الحل، الذي بات غائبًا كإرادة دولية حقيقية بل رغبة إعلامية بسبب موضوع اللاجئين وبعض القضايا الأخرى. إن تلك الملايين الرافضة للعودة لبيت العبودية الأسدية الاستبدادية ماتزال تقطن المخيمات وفي بلدان اللجوء ترقب عوداً للديار، ومايزال عشرات الآلاف من شبان القوى العسكرية التي تحولت لقوى مقرّات بسبب الهدنة العسكرية ماتزال ذاتها تريد التغيير وتنشده، ولكن أين من يعيد من جديد هندسة كل الظروف ليعود الألق والأمل ولنصنع واقعاً جديداً مختلفاً ولا نبقى قارئي سياسة بل صانعيها، وقديماً عرَّفوا السياسة لغوياً بما يعني: القيام على الأمر بما يصلحه.
نحن اليوم أحوج ما نكون إلى إصلاح جاد وحقيقي لهذا الواقع الذي نعيش، والذي تتجدد مآسيه مع فصول الشتاء دون أن يتغير أي شيء، واليوم يضرب الوباء أطنابه انتشارًا دون قدرة على أي إجراء، ويعود السؤال هنا حيث لابد أن نسأل أنفسنا دوماً أين نحن من القضية السورية.؟